أهمية التربية في بناء المجتمعات
تُعدُّ التربية الحجر الأساس في بناء المجتمعات، فهي الدعامة التي يُبنى عليها مستقبل المجتمعات، والأداة الرئيسة لنقل القيم والمهارات الضروريّة لتطوير الفرد وتشكيل شخصيّته وتأهيله للمشاركة الفعّالة في المجتمع، وهي الطريق نحو تحقيق التنمية المستدامة والشاملة. فالتربية هي عمليّة اجتماعيّة تسعى إلى إعداد الإنسان. فما هي هذه القيم والمهارات؟ وما دور التربية في تنميتها وتحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمعات متقدّمة ومترابطة؟
تُمثّل التربية المنظّمة والموجّهة أساسًا في بناء القيم الأخلاقيّة والاجتماعيّة، وتؤدّي دورًا حيويًّا في تنمية قيم الصدق والعدالة والاحترام والتعاون والمسؤوليّة لدى الفرد، ما يعزِّز التسامح والتعايش السلميّ في المجتمع. وتعزّز التربية اكتساب مهارات الاتّصال والتواصل، وحلّ المشكلات، واتّخاذ القرار، والتفكير الناقد الضروري للنجاح في الحياة الشخصيّة والمهنيّة، فمن خلال تنمية هذه القيم والمهارات تستطيع التربية أن تبني أفرادا قادرين على الإسهام بفاعليّة في تقدّم المجتمع وتحقيق التنمية المستدامة ومواكبة تطوّرات القرن الحالي.
تشكّل التربية العمود الفقريّ لأيّ مجتمع يسعى نحو التقدّم والازدهار، فهي لا تقتصر على نقل المعرفة فحسب، بل تمتد لتشكيل القيم والأخلاق، وإعداد جيل قادر على الإسهام الفعّال في تنمية مجتمعه وتطويره. وتسهم التربية في تعميق الاندماج الاجتماعيّ وتقوية العلاقات بين أفراد المجتمع من خلال تدعيم الوعي بالتنوّع الثقافيّ والاحترام المتبادل، وتثبيت روح التعاون والتضامن بين الأفراد. فالتربية تعمل على توطيد الوعي والإدراك لدى الأفراد، ما يؤدّي إلى تحسين الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة وتطوير المجتمع، وهي تؤدي دورًا مهمًّا في تعزيز المساواة وتمكين الأفراد في المجتمع حيث تمنح الفرصة لكل فرد لتحقيق طموحاته وإسهاماته في بناء مجتمع عادل ومتكافئ.
ممّا لا شكّ فيه أنّ التربية والتعليم يعدّان محرّكين أساسيّين في عمليّة تغيير المجتمعات وتطوُّرها، وهذا ما أكّد عليه “جان جاك روسو” التربية والتعليم صنوان لا يفترقان، فلا تعليم جيّد من دون تربية جيّدة”. فالتعليم هو أحد أهمّ محرّكات النموّ الاقتصاديّ حيث يُمكّن الأفراد من العمل بكفاءة أعلى، ويُسهم في خلق فرص عمل مستدامة، ما يُساعد على تحقيق الازدهار الاقتصاديّ، كما يُقلّل من معدّلات الجرائم والعنف المجتمعي من خلال تعزيز الوعي بالقوانين والأخلاق، وتحفيز الأفراد على اتّخاذ قرارات صائبة. ويعمل التعليم على تعزيز مهارات التعاون والعمل الجماعيّ من خلال تنظيم الأنشطة التعليميّة التي تتطلّب التفاعل والتعاون بين المتعلّمين. حيث يتعلَّم المتعلّم كيفيّة العمل ضمن فرق متنوّعة لتحقيق أهداف مشتركة، كما يتعلّم الطلّاب من خلال تجارب بعضهم. بالإضافة إلى ذلك تعمل هذه المهارات بدورها على تجهيز الأفراد للمشاركة بفعاليّة في المجتمع وسوق العمل، حيث يكون التواصل والتعاون أساسيّان لتحقيق النجاح. فالعمليّة التعليميّة تساعد في تطوير القدرة على تقييم المعلومات على نحو منطقيّ، وتحليل الأفكار بعمق، واستنتاج النتائج بناء على أدلّة قويّة، وتطوير القدرة على تقديم الحجج المقنّعة، لذا، فالتعليم يعزّز القدرة على التمييز بين الأفكار الجيّدة والسيئة، والفهم العميق للموضوعات، ما يُسهم في تطوير مواطن التفكير الناقد والمستقلّ. كما أنّ التعليم يُساعد في تطوير مهارات التواصل اللفظيّ وغير اللفظيّ، وفي زيادة القدرة على التعبير عن الأفكار والشعور بوضوح وبفعاليّة. كما يُشجّع على فهم وجهات النظر المختلفة واحترامها وتعميق مهارات الاستماع الفعّال للآخرين. كما أنّ تعليم الأفراد كيفية البحث عن المعلومات، وتقييمها على وجه نقديّ، وفلترتها لتحديد مدى صحّتها وموثوقيّتها، يُعدُّ أساسيًّا في عصر المعرفة الرقميّة. و يسعى التعليم إلى محو الأمّيّة المعلوماتيّة من خلال تمكين المتعلّمين من فهم كيفيّة استخدام التكنولوجيا بفعاليّة للتعلّم والعمل، وكيفيّة التعبير عن أنفسهم بفعاليّة عبر الوسائط الرقميّة. كما يُسهم أيضًا في تحسين مهارات البحث عبر الإنترنت، والتواصل الاجتماعيّ على وجه آمن ومسؤول، وإنتاج محتوى رقميّ بجودة عالية.
وبناءً على ما سبق، إنّ التربية هي الركيزة الرئيسة في بناء المجتمعات، لذا يجب أن تكون جهود تعزيزها وتطويرها على رأس أولوّيات الأنظمة التعليميّة والاجتماعيّة، من خلال توفير بيئة تربويّة مناسبة وبرامج تعليميّة متكاملة تسعى إلى تحقيق النموّ للمجتمعات. فعلى الدّول والمؤسّسات الاستثمار في التربية وتطويرها لضمان إعداد جيل واعٍ ومسؤول يُسهم في رفعة مجتمعه وتقدُّمه. ولكن هل تستطيع التربية تنمية مهارات الفرد في ظل التحديات الرقميّة؟
نبذة مختصرة عن الباحثة الأستاذة نسرين كزبور
- باحثة ومدربة تربوية ومعلمة رياضيات.
- درجة ماجستير في العلوم التربوية-جامعة الجنان.
- دبلوم في التحول الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي-جامعة الاسطرلاب الدولية.
- شهادة كفاءة تعليم ثانوي-كلية التربية-الجامعة اللبنانية.
- دبلوم في اللغة الفرنسية delf B1+B2 من المركز الثقافي الفرنسي-لبنان.
- جدارة ماتريز في الرياضيات-كلية العلوم-الجامعة اللبنانية.
- أستاذة رياضيات في ملاك التعليم الثانوي الرسمي منذ أكثر من 20 سنة.
- فائزة بجائزة تصويت الجمهور-مسابقة المقال-أوسكار مبدعي العرب وأفريقيا.
- عضو في اللجنة التنظيمية لمؤتمرات مركز الضاد الدولي للتدقيق والتصويب.
- باحثة تربوية ولديها العديد من الأوراق البحثية المنشورة في مجلة الضاد الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية.
- أخصائية في الإحصاء.
- لديها العديد من المنشورات في موقع منهجيات(قسم دردشة-قسم مدونة-مجلة منهجيات العدد17).
- شاركت في مشاريع تربوية عديدة تابعة لمنظمة اليونسف من خلال جمعية الفيحاء-لبنان.
- منتسبة إلى مركز الضاد للتدقيق والجمعية اللبنانية للتجديد التربوي والثقافي الخيرية.