اللغة العربيّة بين مدّ وجزر الذكاء الاصطناعي – أ. هويدا خالد مصطفى
ثمّة من يقول إنّ اللّغة العربيّة لم يعد لها مستقبل بين هذا الزحام الإلكترونيّ ، وإنّها لا مجال آيلة إلى الاندثار، وحينها سلام عليها، أمّا آخرون فيرون العكس وأنّ التطوّر التكنولوجيّ وخاصّة الذكاء الاصطناعيّ يثري اللّغة العربيّة ويعزِّز مكانتها ويساعدها على الانتشار،فكيف يساعدها؟ وماهي المخاطر التي تتعرض لها اللغة؟
يشهد العالم تطوّرًا تكنولوجيًّا هائلًا لا يترك جانبًا من جوانب الحياة دون تأثير ، والذكاء ااصطناعيّ هو واحد من أبرز صور هذا التطوّر، وقد بدا يلعب دورًا محوريًّا في تشكيل المستقبل بطرق متعدّدة، ومن بين هذه التأثيرات ، يبرز تأثيره على اللغات البشريّة ومن بينها اللغة العربيّة ، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة قويّة تستخدم اللغة العربيّة فساهم في خدمتها التي تمثّلت بالآتي:
التصحيح الكتابي :حيث يمكن من خلال تلك التقنيّات تطوير برامج التصحيح التلقائي للكتابة بضخّ موادّ عربيّة صحيحة ورفعه إلى مستوى التصحيح الأسلوبيّ لضمان سلامة التراكيب العربيّة مثل الكتابة الإملائيّة، ومحاكاة هذا التصحيح الإملائيّ ببرنامج تفاعلي ّيصحّح طريقة رسم الحروف العربيّة؛ من اليمين إلى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل.
الأدب التفاعلي: من خلال توظيف تلك التقنيّات الحديثة في عرض الأدب بصورة حديثة، يمكن بها التقريب بين الألفاظ والمعاني ، والتركيب والأخيلة، وذلك بتوفير مقاطع شعريّة فصيحة مناسبة للنظارات الواقع الافتراضيّ، وإعداد ديوان رقميّ تفاعليّ يتيح للباحث عمّا قيل عن موضوع يحدّده يعرض القصائد المتقدّمة والحديثة، أو الباحث عن القصائد ذات المطلع الواحد ، أو الباحث بالقافية، ولكن البحث فيها لا يضمن وجودها في مكان واحد ، كما لا يضمن صحّة الأبيات، لهذا يعزف الكثير عن توثيق الأبيات من شبكات البحث العالميّة، ويؤثرون الدواوين المطبوعة ويمكن الاستناد إلى ( موسوعة الشعر الإلكترونيّة ، كلّيّة اللغة العربيّة،أم القرى) للتطوير.
المعجم الرقميّ: يمكن بواسطته تحويل المعاجم اللّغويّة الأصليّة إلى معاجم إلكترونيّة تفاعليّة لا تكون نسخًا مصوّرة بصيغة “الب دي أف” مع ضرورة الاهتمام بالرفع الصحيح للموادّ اللغويّة تحت إشراف لغويّ علميّ مختص، وتنظيم إمكانيّة البحث عن الكلمات ودلالتها ، أو الكلمة ومرادفاتها في مكان واحد.
التمثيل المعرفيّ
تخدم هذه الفكرة التصحيح القرائي التفاعليّ، فعندما يقوم بتمثيل الكلمات تمثيلًا معرفيًّا حسب رموز الحاسوب (./1 ) فعلينا تمثيلها من منطلق لغوي ّصحيح يتبع أصغر وحدة صوتية فونيم ، وبالتالي يمكن اعتماد المقاطع بتوزيع وحدات منطقيّة، ويمكن تطويره إلى مصحّح قراءة تفاعليّ بشكل متوافق مع قواعد العربيّة، وليس كما هو شائع في القراءة الآليّة.
الترجمة التلقائيّة:
وهي أن تأتي إتمامًا لفكرة المعجم الرقميّ، فلو كتب أحدٌ (صرخ) وعنده تفعيل لخيار الترجمة التلقائيّة فيمكن أن تأتي مقترح (ضجّ ، لأنّها أدقّ، وسبق أن ورد الحديث عن الصحيح الأسلوبي، فيمكن أن يكون هذا التصحيح الدلالي، والعكس لو كتب أحد نقلًا واحتاج لاستيضاح معنى كلمة فيمكن أن تكون الإشارة إليها ليظهر المعنى ، وهذا يخدم دارسيّ اللغة من الناطقين بغيرها، الذين يجيدون القراءة الصوريّة للكلمات ويحتاجون للفهم ”
وبالرغم من هذه الخدمات التي يقدّمها الذكاء الاصطناعيّ للّغة العربيّة فإنّ له تأثيرات سلبيّة عليها منها:
التحريف وفقدان الدّقة: “فالذكاء الاصطناعي يمثّل تحدِّيًا للغة العربيّة بسبب قدرته على توليد المحتوى الآليّ، ممّا قد يسهم في انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المحرّفة ويهدِّد بإضافة تحيُّزات جديدة في أساليب التعبير اللغويّ”.
تراجع استخدام اللغة العربيّة: مع الانتشار الواسع التكنولوجيّ، أصبحت اللغة الأجنبيّة خاصّة الإنكليزيّة لغة التواصل الأساسيّ في العديد من المجالات مثل الأعمال والتعليم، ممّا يؤدي إلى تراجع استخدام العربيّة والاعتماد عليها.
فقدان النكهة الذاتيّة: إنّ النصوص المولَّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي قد تفتقر إلى النكهة الثقافيّة والتعبير الأصيل الذي يقدّمه الكاتب البشريّ والذي يتميّز به أسلوبه ، فتأتي النصوص متشابهة ممّا يؤدّي إلى فقدان الجوانب الثقافيّة الهامّة في اللّغة .
السطحيّة والبساطة:
” إنّ المنشور بشكل عام عبر شبكات التواصل وبخاصة في الصفحات الإخباريّة التي اعتمد عليها كثيرًا في تدريب الذكاء الاصطناعيّ يتّجه نحو البساطة في الطرح اللغوي، ويتجنّب كلمات اللّغة القديمة، وبالتالي لن تظهلر اللّغة العربيّة بقوّتها وتاريخها في النماذج ، هذا يعني أنّ هذه التقنيّات سوف تساهم في غروب شمس اللّغة من خلال كلمات عريقة أصيلة لم تصل إليها”.
مشكلة تنوّع اللهجات:
إنّ تنوّع اللهجات التي تحمل كلّ منها خصوصيّتها وتركيبتها اللغويّة المختلفة بشكل كبير عن اللّغة الفصحى وعن اللهجات الأخرى سيخلق تحدّيًا ، حيث إنّ الذكاء الاصطناعي غير مدرّب على هذا الاختلاف وعلى هذه المحادثات التي دارت بين المستخدمين العرب بأخطائها في الكتابة، ممّا سيؤدي إلى طمس الكثير من الكلمات الأصليّة في اللغة العربيّة ، وبروز كلمات من لهجات مختلفة وأخطاء لغويّة ممّا يعني أنّ المستخدم غير المتمكن من اللّغة وغير العارف بخصوصيّتها سوف يقحم نفسه في تحويل الجيّد إلى سيّئ والسيّئ إلى أسوأ.
خلاصة القول إنّ اللغة العربيّة مرنة ولها القدرة على التكيّف مع التغيُّرات التكنولوجيّة ، وهي تمتلك مقاومة بفضل تاريخها العريق ومكانتها الدينيّة. والتكنولوجيا بكل تحدّياتها يمكن أن تكون حليفًا قويًّا للحفاظ على اللغة إذا استخدمت بذكاء وحكمة، وهذا يتطلّب جهودًا متواصلة من جميع أفراد المجتمع، فهل سيكون أبناؤها على قدر هذه المسؤوليّة؟
1-الدهشان، جمال” اللغة العربية والذكاء الاصطناعي كيف يمكن الاستفادة من تقنيّات الذكاء الاصطناعي في تعزيز اللغة العربية؟”،مايو 2020 المجلّة التربوية، العدد الثالث والسبعون ،ص 6-7-8
http//www.aletihad ae 2-القحيص علي،” اللغة العربيّة وتحدّيات عصر الذكاء الاصطناعي”14 يونيو 2024،مركز الاتحاد للأخبار
3-الكلباني، سعيد بن محمد،”مشكلة اللغة العربية في عصر الذكاء الاصطناعي الفرص والتحدّيات “الرؤية24 يناير 2024 https://alroya.om?pL338149 ،
أ. هويدا مصطفى
.ماجستير في اللغة العربية وآدابها في الجامعة اللبنانية
.شهادة الكفاءة في التعليم الثانوي في كليّةالتربيةمن الجامعة اللبنانيّة
.أستاذة لغة عربيّة في ملاك التعليم الثانويّ الرسمي
.مدرسة لغة عربية في التعليم الأساسي لمدة ٩ سنوات
.كاتبة مدوّنات في مجلة منهجيات
.عضو في مركز الضاد الدولي للتدقيق والتصويب
.عضو في مجموعة الرابطة العالمية للدفاع عن اللغة العربية (فرع لبنان)
.مشاركة في مشاريع تربوية ،وتعليمية في جمعيات لبنانية ك”نفضة”و”رينيه معوض