التغيرات الديموغرافية وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية – د. رنيم جوابرة
تعيش البشرية اليوم في صراع متواصل مع قوى التغيرات الديموغرافية، إذ تُعد هذه التحولات من أبرز الظواهر المؤثرة في بنية المجتمعات المعاصرة، لما تفرزه من تداعيات عميقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. وقد باتت هذه التغيرات، بما تتضمنه من تحولات في معدلات النمو السكاني، وتراجع نسب الولادة والوفاة، وتزايد نسب الشيخوخة، بالإضافة إلى ظاهرة الهجرة، من أبرز العوامل التي تعيد تشكيل ملامح العالم الحديث.
إن هذه التحولات لا تنعكس على التوزيع السكاني فحسب، بل تمتد آثارها لتطال سوق العمل، وأنماط الاستهلاك، وهيكل الأسرة، والنظم الصحية والاجتماعية. ويُعزى جزء كبير من هذه التغيرات إلى التحول في القيم الاجتماعية، إذ باتت الأسر تميل إلى الصغر والاكتفاء بعدد محدود من الأبناء، إلى جانب التقدم اللافت في مجالات الرعاية الصحية، الذي أدى إلى ارتفاع متوسط العمر المتوقع وزيادة نسبة كبار السن في المجتمع. كما أسهمت الهجرة، سواء الداخلية منها أو العابرة للحدود، في إعادة توزيع السكان بين المناطق والدول، ما أحدث تفاوتًا ملحوظًا في الكثافة السكانية وفرص التنمية.
ولا تقتصر انعكاسات هذه التحولات على البعد السكاني، بل تُلقي بآثارها العميقة على الاقتصاد أيضًا، حيث يؤدي ارتفاع نسبة المسنين إلى نقص في القوى العاملة الشابة، لا سيما في القطاعات التي تتطلب مهارات متخصصة، مما يفرض ضغطًا على أنظمة التقاعد والتأمين الصحي، ويستدعي إعادة هيكلة السياسات المالية والاجتماعية لضمان استدامتها. كما أن تغير التركيبة السكانية يؤدي إلى تحول في أنماط الاستهلاك، مع تزايد الطلب على خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية، مقابل تراجع الاهتمام بقطاعات أخرى كانت تحتل الصدارة في العقود الماضية.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن التحول الديموغرافي يُعد أحد أبرز إنجازات السياسات الصحية والاجتماعية، إلا أن آثاره المعقدة تفرض تحديات جديدة على مستوى العلاقات الأسرية والمجتمعية، حيث نشهد انحسارًا تدريجيًا لنموذج الأسرة النووية، وازديادًا ملحوظًا في عدد الأسر متعددة الأجيال، إلى جانب تنامي التنوع الثقافي الناتج عن موجات الهجرة والتداخل الحضاري بين المجتمعات. وفي هذا السياق، يغدو التعليم أداة محورية في دعم الاستقرار الاجتماعي، إذ تسهم السياسات التعليمية في تأهيل الأجيال الجديدة لمتطلبات سوق العمل المتغير، وتعزيز قدرتهم على التكيف مع التحولات السكانية والاقتصادية المستجدة.
ختامًا، فإن التغيرات الديموغرافية تُشكّل تحديًا مستمرًا يتطلب استجابة فعّالة من صناع القرار والمجتمعات على حدّ سواء، من خلال تبني سياسات شاملة تراعي البعد الإنساني والاقتصادي والاجتماعي، وتوجه هذه التحولات نحو تعزيز التنمية المستدامة، وضمان رفاهية الأفراد، واستقرار المجتمعات في الحاضر والمستقبل.
الدكتورة رنيم زياد أحمد جوابرة.
محاضر غير متفرغ. جامعة الارائك الدولية.
دكتوراة تخطيط استراتيجي اقتصاد.
ماجستير اقتصاد وتعاون دولي.
ماجستير Mpa .
بكالوريوس لغة انجليزية.
بكالوريوس اقتصاد.
لي عدة أبحاث في مجلات علمية محكمة.
شاركت في العديد من المؤتمرات والملتقيات داخل وخارج الأردن.
لي اكثر من ١٠٠ بحث منشور .
تم اختياري افضل شخصية بحثية لعام ٢٠٢٣ من مركز الدراسات الفرنسية بمصر وأكاديمية الدكتور عادل عامر .
باحثة بالأمن الغذائي .
مدربة تنمية بشرية.
مستشارة في ريادة الأعمال الدولية .
تم تحكيم ٦ رسائل ماجستير ورسالة دكتوراة