“إعادة المداولة في ضوء الكود” آليات الطعن في القرارات المتأثرة بالذكاء الاصطناعي (تحليل قانوني مقارن في ضوء الاتجاهات التشريعية الحديثة 2020–2025 بقلم الدكتورة أمل فوزي أحمد – مصر)

إعادة المداولة في ضوء الكود
آليات الطعن في القرارات المتأثرة بالذكاء الاصطناعي
(تحليل قانوني مقارن في ضوء الاتجاهات التشريعية الحديثة 2020–2025)

 

مع تزايد اعتماد الأنظمة القضائية على أدوات الذكاء الاصطناعي في تحليل الأدلة، والتنبؤ بالمخاطر، وإصدار التوصيات، برز سؤال جوهري يتجاوز الإطار التقني إلى صميم العدالة:
من يُحاسَب إذا أخطأ الذكاء الاصطناعي؟

فعندما تؤثر خوارزمية على قرار قضائي — سواء في مرحلة التحقيق، أو أثناء تقدير العقوبة، أو في منح الإفراج الشرطي — فإن ضمان حق المتقاضي في المراجعة والطعن يصبح ضرورة دستورية لا تقل أهمية عن الحق في الدفاع.
تُشير دراسات المجلس الأوروبي (CEPEJ, 2023) ومنظمة اليونسكو (UNESCO, 2024) إلى أن “الحق في الطعن ضد القرارات المتأثرة بالخوارزميات” هو أحد أركان العدالة الرقمية، ومؤشر لشرعية النظم القضائية في عصر الذكاء الاصطناعي.

أولًا: الإطار المفاهيمي للطعن في القرارات المتأثرة بالذكاء الاصطناعي

تُميز الأدبيات بين مستويين من المراجعة:

  1. الطعن القانوني التقليدي:
    يقتصر على فحص مدى صحة تطبيق القانون أو استخلاص الوقائع.
  2. الطعن التقني–القانوني المزدوج:
    يمتد ليشمل تقييم التأثير الخوارزمي في القرار، وذلك من زاويتين:
  • الشرعية القانونية:مدى التزام القاضي بالإجراءات والضمانات.
  • سلامة التدخل التقني:هل أثّر النظام الذكي في القرار؟ وهل تم تدخله وفق ضوابط الشفافية والتفسيرية؟

وقد أكدت توصيات اللجنة الأوروبية لكفاءة العدالة (CEPEJ, 2023) وتقرير الاتحاد الأوروبي عن الذكاء الاصطناعي في القضاء (EU AI Act, 2024) ضرورة إنشاء آلية طعن مستقلة تتيح مراجعة أثر الخوارزميات على القرارات القضائية، بما يضمن مبدأ المراجعة البشرية النهائية (Human Oversight).

ثانيًا: المبادئ الحاكمة لآليات الطعن

  1. مبدأ الشفافية الإجرائية:
    لا يمكن ممارسة حق الطعن من دون إخطار واضح يفيد بأن القرار القضائي استند إلى نظام ذكي. ويجب تمكين الأطراف من الاطلاع على الخصائص الجوهرية للنظام المستخدم (نوع الخوارزمية، مصدر البيانات، حدود الاستخدام).
  2. مبدأ التناسب:
    يتعين أن تتناسب درجة المراجعة التقنية مع خطورة القرار محل الطعن؛ فقرارات الحرية الشخصية تستوجب رقابة فورية أعمق من الطعون في النزاعات المدنية ذات الطابع المالي.
  3. مبدأ الرقابة المستقلة:
    لا يجوز أن تكون الجهة الفاحصة للأنظمة المتأثرة بالذكاء الاصطناعي تابعة لذات الهيئة المطوّرة أو المشغِّلة للنظام؛ بل يجب أن تتم المراجعة بواسطة خبراء مستقلين معتمدين قضائيًا.
  4. مبدأ الحماية الإجرائية:
    يشمل تحديد مدة زمنية معقولة للطعن، وإتاحة الوصول إلى سجلات التدخل الخوارزمي(Audit Logs)، وضمان سرية البيانات أثناء الفحص.
  5. مبدأ القابلية للتفسير(Explainability):
    يتعين أن تكون قرارات الأنظمة قابلة للفهم الإنساني إلى الحد الذي يسمح للمحكمة أو الدفاع بتقييم مدى منطقية الأثر التقني على القرار.

ثالثًا: مقترح لصياغات تشريعية عربية متقدمة

المادة (1): الإخطار بالاعتماد على الأنظمة الذكية
يلتزم القاضي أو الجهة القضائية بإخطار أطراف الدعوى كتابةً في حال استخدام نظام ذكاء اصطناعي أثّر بصورة جوهرية على القرار، مع بيان موجز لطبيعة الأثر ومجاله.

المادة (2): الحق في الطعن التقني–القانوني
يحق لكل ذي صفة قانونية أن يطعن في القرارات القضائية التي ثبت تأثرها بأنظمة الذكاء الاصطناعي، على أن يشمل الطعن فحصًا مزدوجًا للجانب القانوني والتقني وفق معايير العدالة الرقمية.

المادة (3): لجنة الخبرة الفنية القضائية
تُنشأ لدى محاكم الاستئناف “لجنة الخبرة الفنية القضائية” تضم خبراء في الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، يُختار أعضاؤها بقرار من مجلس القضاء الأعلى، مع ضمان استقلالهم التام عن الجهة المطورة للنظام.

المادة (4): الإفصاح عن السجلات التقنية
تلتزم الجهة المشغِّلة للنظام بتقديم نسخة من سجلات التدخل الآلي وتقارير الأداء الفني إلى المحكمة المختصة خلال سبعة أيام من تاريخ الطلب.

المادة (5): أثر الطعن وإعادة المداولة
إذا ثبت وجود خطأ تقني أو تحيز خوارزمي مؤثر، يُلغى القرار المطعون فيه وتُعاد المداولة القضائية من دون الاستعانة بالنظام المعيب، مع حفظ حق المتضرر في التعويض المدني.

رابعًا: الآليات الإجرائية المساندة

  1. قاضي التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي:
    تعيين قاضٍ مختص ضمن تشكيل المحكمة، يتمتع بخبرة تقنية وقانونية، للفصل في النزاعات التقنية ذات الطبيعة الخوارزمية.
  2. غرف استئناف متخصصة في العدالة الرقمية:
    تخصص دوائر قضائية للنظر في الطعون الناشئة عن القرارات المتأثرة بالذكاء الاصطناعي، بمشاركة مستشارين تقنيين معتمدين.
  3. بروتوكول الطعن السريع:
    يُفعّل في القضايا المستعجلة (مثل الحبس الاحتياطي أو التدابير الوقتية)، بحيث يتم البت في الطعن خلال 72 ساعة من تقديمه.
  4. سجل وطني للمراجعات التقنية القضائية:
    يُنشأ سجل رقمي يوثق نتائج الطعون التقنية، ونسب الأخطاء المكتشفة، بغرض تحسين أداء الأنظمة وتعزيز الشفافية المؤسسية.

خامسًا: الدروس المقارنة الدولية

  • الاتحاد الأوروبي(EU AI Act, 2024):
    نصت المادة 52 على إلزام المؤسسات العامة التي تستخدم نظم ذكاء اصطناعي عالية المخاطر — بما في ذلك الأنظمة القضائية — بإنشاء آليات طعن شفافة ومستقلة، مع حق الوصول إلى بيانات التشغيل.
  • فرنسا وألمانيا:
    طوّرتا نماذج “المراجعة القضائية للخوارزميات” ضمن إطار قوانين البيانات المفتوحة، حيث يُلزم المطورون بتقديم الوثائق التقنية عند الطعن في القرارات الآلية.
  • الصين:
    على الرغم من التوسع في المحاكم الذكية، فإن غياب آليات طعن مستقلة أدى إلى تزايد الانتقادات بشأن “القضاء المؤتمت”، كما ورد في دراسة Papagianneas et al. (2023)حول العدالة الخوارزمية في الصين.
  • الإمارات العربية المتحدة:
    تمضي مبادرات العدالة الذكية بخطى واثقة نحو التنظيم الشفاف، غير أن التشريعات الحالية لا تزال في مرحلة الإطار العام، ما يستدعي تضمين نصوص خاصة بالطعن الفني لضمان التوازن بين الابتكار والمسؤولية.

سادسًا: خاتمة واستنتاجات

إن آليات الطعن في القرارات المتأثرة بالذكاء الاصطناعي تمثل حجر الزاوية في تكوين الشرعية الرقمية للقضاء الحديث. فمن دونها، يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة مساعدة إلى سلطة ظل غير خاضعة للرقابة.
إقرار حق الطعن التقني–القانوني يكرّس مبدأ القاضي الإنسان صاحب القرار النهائي، ويحافظ على ثقة المجتمع في العدالة.

ويمكن القول إن إدماج هذه الآليات ضمن التشريعات العربية سيؤسس لما يمكن تسميته بـ الضمان الدستوري للتحقق الخوارزمي، الذي يحفظ توازن العدالة بين الابتكار والمسؤولية.

المراجع :

Saleh, M. (2024). الذكاء الاصطناعي وحماية ضمانات التقاضي في التشريع العربي المقارن. *مجلة الدراسات القانونية المعاصرة, 18(2), 65–102.

Al-Hassan, R. (2022). حوكمة الأنظمة الخوارزمية في القضاء العربي: قراءة نقدية. *مجلة القضاء والذكاء الاصطناعي, 5(1), 44–72.

  • (2023). European Ethical Charter on the Use of Artificial Intelligence in Judicial Systems. Council of Europe.
  • European Parliament. (2021). Resolution on Artificial Intelligence in Criminal Law and its Use by Judicial Authorities.
  • EU Artificial Intelligence Act. (2024). Regulation (EU) 2024/1689 on AI Systems. Official Journal of the European Union.
  • (2024). Guidelines on AI and the Rule of Law for Judicial Actors. Paris: UNESCO Publishing.
  • (2025). Governing with Artificial Intelligence in Justice Administration. Paris: OECD.
  • Papagianneas, S., & Wang, N. (2023). Fairness and Justice through Automation in China’s Smart Courts. Computer Law & Security Review, 49, 107–118.
  • Krištofík, A. (2025). Bias in AI-Supported Decision-Making: Old Problems and New Challenges. International Journal for Court Administration, 14(1), 22–39.
  • Herrera, F., & Calderón, R. (2025). Opacity as a Feature, Not a Flaw: The LoBOX Governance Ethic for AI Transparency. arXiv preprint arXiv:2505.20304.
  • Harvard Law Review. (2025). Principles for AI Governance in the Judiciary. Harvard L. Rev., 138(2), 241–265.
  • (2025). Building AI Foundations for Judicial Systems. National Center for State Courts, USA.
  • (2024). Transparency and Accountability in Automated Decision Systems. Paris: OECD Digital Policy.
  • Al-Suwaidi, M. (2023). Artificial Intelligence and Judicial Decision-Making in the UAE: Towards Smart Justice. Arab Law Quarterly, 37(4), 891–915.
  • Ter-Minassian, L. (2025). Democratizing AI Governance: Balancing Expertise and Public Participation. AI & Law Review, 41(1), 13–34.

 

د. أمل فوزي أحمد- مصر- جامعة عين شمس

باحثة وأكاديمية متخصصة في القانون الرقمي، الأمن السيبراني، والملكية الفكرية ، ريادة الاعمال .، حاصلة على درجة الدكتوراه في القانون – جامعة عين شمس202، نشرت 12 كتابًا علميًا محكمًا وأكثر من 40 بحثًا في مجلات ومؤتمرات دولية مرموقة. تتمتع بخبرة أكاديمية وإدارية كباحثة، محررة علمية، ومدربة معتمدة، وتسعى إلى الإسهام في المشاريع البحثية الرائدة في مجال القانون ،والتكنولوجيا ،والامن السيبراني ،والفنون الابداعية.

المؤهلات الأكاديمية

  • دكتوراه في القانون – جامعة عين شمس – 2021.
  • ماجستير في القانون – جامعة عين شمس – 2015.
  • ليسانس حقوق – جامعة حلوان – 2007.
  • دبلومات متخصصة في القانون الخاص، التحكيم، الملكية الفكرية، الدراسات القانونية 2014–2020.
  • باحثة بدبلوم الأمن السيبراني – جامعة حلوان – 2024/2025.

الخبرات البحثية والأكاديمية

  • رئيس وحدة تكنولوجيا المعلومات – كلية التربية الفنية – جامعة حلوان.
  • عضو لجان التطوير، التدريب، وحماية الملكية الفكرية – جامعة حلوان.
  • رئيس تحرير مجلة الضاد الدولية للتكنولوجيا وعلوم المستقبل– لندن.
  • عضو هيئة تحرير مجلة المؤتمرات الدولية– برلين.
  • مؤلفة 12 كتابًا علميًا منشورًا بالمكتبة الوطنية الألمانية.
  • نشرت أكثر من 40 بحثًا في مجلات ودوريات دولية محكمة.

الجوائز

  • جائزة الموظف المثالي – جامعة حلوان – 2020/2021.

المهارات

  • الأمن السيبراني – التحول الرقمي – إدارة الأزمات – البحث العلمي – النشر الدولي.

اللغات:

  • العربية (اللغة الأم).
  • الإنجليزية (متقدم – ترجمة قانونية).
  • الفرنسية (مستوى متوسط).
    • الحاسوب: MOS, ICDL, IC3 أدوات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.

 

 

حقوق النشر © محفوظة لمركز الضاد الدولي للتدقيق والتصويب.
يُمنع إعادة نشر هذا البحث أو نسخه أو استخدامه لأغراض تجارية أو إعادة توزيعه كليًا أو جزئيًا بأي وسيلة، من دون إذنٍ رسمي وخطي من إدارة مركز الضاد الدولي للتدقيق والتصويب حصرًا.

تنويه مهم:
يُسمح بالاستشهاد العلمي من هذا المقال، سواء بالنقل الحرفي القصير ضمن علامات تنصيص، أو بإعادة الصياغة،
وذلك ضمن الأطر الأكاديمية المعترف بها، وبشرط الالتزام الكامل بقواعد التوثيق العلمي وذكر المرجع بشكل صحيح
(اسم المؤلف، عنوان المقال،  تاريخ النشر، الصفحات).

إن الاستشهاد العلمي لا يُعدّ انتهاكًا للحقوق الفكرية، بل هو حق مشروع ضمن أخلاقيات البحث العلمي.

لأي استفسار أو طلب إذن رسمي لإعادة استخدام المحتوى، يُرجى التواصل مع إدارة المركز عبر البريد الإلكتروني:
📩 Dhadinternational2021@gmail.com

 

Loading

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *