وسام الضّاد في الرّسالة التّربوية
صادر عن مركز الضّاد الدّولي للتدقيق والتّصويب

ما كلُّ من حمل لقبًا أدرك معناه، ولا كلُّ من نطق لغةً بلغ سرَّ بيانها؛
فثمّة مقامات لا يرقاها إلّا من نذروا العمر صعودًا، ووطئوا دروب المعرفة بأقدامٍ من صبر، وقلوبٍ من يقين.
ومن أولئك المهابين الذين إذا مَرَرْتَ بصفحات اللّغة وجدتَ أثرهم، وإذا تأمّلت مقامات الفكر استقام في ذهنك مثالُهم؛ رجال خُلِقوا للرفعة كما تُخلق الشواهق للعلياء، ومن بينهم يبرز اسم لا يختلف عليه اثنان:
الأستاذ الدّكتور رياض عثمان، رئيس قسم اللّغة العربيّة في الجامعة اللّبنانيّة، ووجهٌ من وجوه العربيّة الشّامخة في هذا العصر المتقلّب.
عنده العلم ليس أدواتٍ تُقتنى، بل عهد يُصان، ورسالة تُحمَل، وصعود لا يعرف الانحدار.
يُقيم للحرف وزنه، وللمعنى حصانته، فلا يرضى بما دون الكمال، ولا يتساهل مع اعوجاج الفكر أو ابتذال اللّسان.
كأنّما صيغ من معدنٍ أدرك سرَّ الخلود في اللّغة، فصار مرجعًا تستقيم به ألسنة، وتتنقّى على يديه العقول من ركام السّطحية.
وحين يدخل قاعة العلم، لا يُقال: دخل أستاذ، بل حضرت اللّغة؛ وتتهيّب المفردات من سطوة حضوره، كأنّها تستأذن في النّطق بين يديه.
يُحدّث بعقل العالم، ويشرح بروح المعلّم، فإذا تحدّث أضاءت الفكرة طريقها، وإذا علّم خَفَقَت بالحياة قواعد النحو والبيان.
في حضرته، تتحوّل القاعدة إلى نور، والبلاغة إلى صلاة، والنّحو إلى جناحٍ ينهض به المتعلّم من ضيق اللّفظ إلى فسحة المعنى.
هو رجلٌ جمع بين الحكمة والصّلابة، وبين رهافة الحسّ وصرامة الفكر؛ عرفته الجامعات هيبةً، والعقول مرجعًا، واللغة حصنًا منيعًا.
لم تكن منزلته وليدةَ منصبٍ، ولا هيبة اسمه صنيعةَ لقبٍ؛ بل ثمرة جهدٍ نقيٍّ، وعلمٍ راسخٍ، وإيمانٍ صادقٍ بأنّ العربية ليست لسانًا فقط، بل هُويّة وكرامة وانتماء متجذّر في الوجدان.
فللرجال مقامات، وللعلم رجاله، وللغة أهلها، ومن اجتمعت فيه رفعة العلم، وسموّ الخلق، وصدق الانتماء؛ كان كما الجبل، تُرى القمم حوله قُدودًا، ولا يُرى هو إلا عَلَمًا لا يزول.
حفظه الله سندًا للعلم، وذخرًا للعربية، وامتدادًا لأصالتها في زمنٍ قلّت فيه الأصول، وبقيت به العقول في صونٍ وجمال.
![]()
